كنت شريكته
في
الإجرام
داهمني الزواج وأنا لمأطوِ بعد سنوات المراهقة بعنفوانها ورقة شعورها وأحلامها وتهورها، وقلة تعقلهاوحكمتها، عاد من بلاد الغربة وهو يحلم بالزواج من فتاة شابة صغيرة جميلة تحبهومن أسرة مثقفة منفتحة تقبل به دون تردد.. فوجد كل تلك الصفات متوافرة لديَّ،يتوجها الجمال الفاتن والابتسامة الرائعة، فدخلت قلبه آمنة مطمئنة، وتسلل هوإلى فؤادي كأول فارس أحلام ووجد قلبي خالياً فتمكن منه.
لم يكن ينقصه المال ولا الشباب ولا الوسامة، بل كان كلاناينقصه الوعي والتعقل والتجربة، والنظرة الواقعية لحياتنا الزوجية.. ولكن آه.. حيث لا ينفع الندم.. قلب الشباب إذا لم يملؤه نور الإيمان تسللت إليه وساوسالشيطان، وعربدت فيه ألوان المكر والعدوان.. وهذا حال عروسين جديدين صغيرين،وجدا الدار الواسعة والمال والخادمة والسيارة الفارهة، وأحاطت بهما شلة منالأشرار، وأصحاب المزاج والطرب واللهو والسهر.
لا تستغربوا هذا واقع كثير من الناس في كثير من الدول، ولكنحمى الله ديارنا وأرضنا، فمن ابتلي منهم لا يعترف بخطئه، وقد لا يُصلح نفسه أويقوّم إعوجاجه.. وكحال مثل هذه النماذج، فقد وقعت فريسة أو قل ضحية لمثل هذهالسلوكيات.. ولا يخفى عليكم كيف أن الكثير من العائدين من بلاد الغرب يكونوا قددرجوا على سلوكيات وأخلاقيات غريبة ومنافية لأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا. إلامن رحم ربي. ومنها شرب الخمر وتعاطي المخدرات، ومخالطة النساء، وحضور سهراتالرقص والطرب، وعادة ما يتعلمها البعض في مرحلة الشباب خلال فترة الدراسةوغالباً ما يتخلى عنها البعض لدى عودتهم إلى أرضنا الطاهرة التي لا توفر لهممثل هذه الأشياء.
لكن زوجي – رحمه الله وغفر له – جاء حين عودته للزواجوالاستقرار، وهو يصطحب كل تلك العادات والسلوكيات، ووجدني ليّنة العود ومحبة لهطائعة مفتونة به فطوعني على مزاجه كما يريد.. فكان منزلنا مليء بجميع الأجهزةمن تلفزيون إلى فيديو إلى آخره، وكذلك يضم أشرطة فيديو من كل ما يخطر بالبالوما لا يخطر بالبال.. كان طموحه أن يجعلني أقبل بواقعه، وأرضى بتصرفاته ولاأحدُّ من حريته.. ولكن للأسف الشديد.. المسألة فلتت وتخطت الحد المتوقع.. كانكثير السهر مع شلة الأنس الذين هم من شاكلته.. وهم ندماؤه.. وكنت أمضي جُلَّوقتي مع هذه الأجهزة ومشاهدة ما يليق وما لا يليق من أشرطة الفيديو، حتى أدمنتهذه الأشياء فصرت أمضي النهار نوماً.. وهو في العمل.. والليل مشاهدة للأفلاموهو مع أصحابه.. وقليلاً ما كنا نجد وقتاً يجمعنا سوياً للمؤانسة.. كان يجدمتعته وسعادته مع أصدقائه ومزاجه.. ولا يحس بحاجة شديدة إليَّ، لكنني كنت أحتاجإليه كثيراً، ولا أجده، بل أجد الخادمة إلى جواري وهي تراقب مزاجي، وذوقي فيمشاهدة الأفلام، وتقدم لي عروضها (ماما إنت يبغى شريط سيم سيم؟) فأومئ برأسينعم!!
وفي اليوم الثاني يكون معي أحدث الأشرطة من النوع (إياه) فزاد أدماني وزاد قلقي، وزادت وحشتي ووحدتي، وبعد أن أنجبنا الابن الأول، صرتأتسلى معه بعض الشيء وكثرت مشاويري إلى أهلي، إلى المركز الصحي، إلى السوق،فجلب لي سائقاً أجنبياً، صار يرافقني أكثر من زوجي، ويقوم بإحضار كل متطلباتالبيت من الأسواق، وأصبح ملازماً للبيت في الوقت الذي كان زوجي لا يمكث فيالبيت إلا قليلاً من الوقت، وما يلبث أن يخرج بحثاً عن الشلة والمزاج والأنسوالسهر والطرب، وأنا وصغيري، والخادمة والسائق نسامر بعضنا.. كان السائق شاباًوسيماً لكنه في بادئ الأمر كان مؤدباً ومحترماً.. غير أن الخادمة – لعنها الله – دفعته إلى مراودتي في وقت كنت أحوج ما أكون فيه إلى وجود زوجي بجواري بآخرالليل، وبعد أن أكون قد فرغت من مشاهدة بعض الأفلام التي تحرك الغرائز وتثيرالأعصاب.. كنت كالشجرة الصغيرة رفيعة الساق، في وجه الإعصار الكاسح، لم أستطعالصمود كثيراً، بل انهارت قواي، واقتلعني الإعصار من جذوري، ودخلت في دوامةأخرى هي أسوأ بكثير من حالة الإدمان والضياع التي كنت فيها والتي يعيشها زوجي،أنجبنا البنت ونحن ما زلنا على ذات الحالة، فكبر الأبناء بعد أن أنجبنا طفلينآخرين، ونحن منغمسان في ذلك الواقع المرير، وذلك المستنقع الآسن، ولكن للأسفتحول منزلنا إلى فوضى وأصبحت أسرتنا مفككة، من الطبيعي أن يجد الابن والده يجلسعلى انفراد مع الخادمة، أو يجد السائق يتحدث مع أمه، وكذلك البنت وهي على عتباتمرحلة المراهقة، كما أن الخادمة وجدت الأجواء المناسبة لابتزازنا ومحاولةالتأثير على ابننا الأكبر، وجره إلى مهاوي الردى، وقد استفقت من هذه الغفوةمؤخراً.. وبعد فوات الأوان التفت حولي فوجدت منزلنا غريباً، وكل السلوكياتالدائرة فيه لا تمت لأسرتنا بصلة، لا لعاداتنا أو تقاليدنا التي جبلنا عليها.. فأول ما قمت به غيّرت السائق والخادمة واستغنيت عن السائق وبدلنا الخادمة بأخرىجديدة.. ولكن بعد ماذا.. بعد أن لاحظت ابني يتعاطى السجائر، وابنتي تكثر منالمكالمات الهاتفية ولكن مع مَنْ؟ الله أعلم.
وبينما نحن نعيش هذه المأساة وتداعياتها الخطيرة والمثيرةفي آن واحد، مات زوجي بعد مصارعة للمرض فترة طويلة وترك لي أربعة من الأولادوالبنات، منهم ولد في سن المراهقة، وبنت على مدخل مرحلة المراهلة، وترك ليمخلفات تجربة زواج مثيرة وغريبة ومليئة بالحرمان والانحراف والإجرام، صار وجهيشاحباً كأنني بنت الخمسين وأنا ما زلت في بداية الثلاثينيات، السهر وإدمانمشاهدة الأشرطة الإباحية خطف نضارة وجهي، ورونق عيوني وأتلف أعصابي، وجعلني لاأبدو في سني الحقيقية، بل أثر على تفكيري وتعاملي مع الغير، حتى الأهل والجيرانصاروا ينظرون إلينا كأسرة منحرفة، فيمنعون أبناءهم من مخالطة أبنائنا، ويحذرونمن زيارتنا أو من خلق أي نوع من العلاقات معنا.. صرنا محصورين حول أنفسنا أوالاختلاط بمن هم أسوأ منا.. نعم استيقظت على ركام أسرة جرفها (تسونامي) السلوكيات السيئة والإهمال، وسوء التربية، حيث ترعرع أبناؤنا في كنف أسرة تفتقدأبسط أساسيات الترابط والاستقرار والتماسك.
لا أستطيع أن ألوم زوجي (رحمه الله) في كل الذي جرى لناوسيجري – ستر الله عليهم – لأنني كنت شريكته في كل الذي حدث، لأنني لم أقف فيوجهه وأقول له هذا خطأ، وهذا حرام، وهذا مخالف، بل انجرفت وراءه بزعم حبهوطاعته، وانسقت وراء متعة اللحظة العابرة التي خلفت بعدها ندماً شديداً سيبقىأبد الدهر.. وبقدر ما كنت أستمتع باللحظات الغادرة وأمضي في غيي سادرة ها أناذي أسكب العَبَرَات والدموع، ولكن على ماذا.. على اللبن المهراق، حيث لا ينفعالندم.. دمرت بيتي، وأبنائي، وسمعتي وشبابي بعدم التعقل، وتنكب طريق الهلاكومجانبة الحق والبعد عن تحكيم العقل والإيمان، إنها والله جريمة لا يغفرهاالتاريخ.. أسأل الخالق وحده أن يغفر لي ويردني إليه رداً جميلاً.
**
المرجع: مجلة بنات اليوم العدد (4)
--------------------------------------------------------------------------------
(2)
وانفرطعقد الأسرة
نتيجة
غفلةمني!
لم أكن أدرك أنني أغرس خنجراً في خاصرة الأسرة،حينما رأيت ابني الوحيديتعاطى التدخين،وتغافلت عن ذلك حتى لا يضربه والده؛ على أمل أن يترك ذلك السلوك،وأخذتني العاطفة وتغاضيت عنه، حتى تم استدراجه من قبل مجموعة الشر التييصاحبها إلى تجريب المخدر بحجة أنه مجرد منبه ومنشط أيام الاختبارات
وليت المسألة وقفت عند هذا الحد
بل تعدت ذلك بكثير
حيث أصبح ابنيمدمن مخدرات،ولاحظت ذلك من خلال عينيه الحمراوين دائما وشروده الذهني، وعدم المبالاة فيتصرفاته، بل وظهور التبلد في سلوكه
حتى أخته (الشابة) لم يعد يحفل بأمرها ماذا تلبس، أينتذهب، من هن صديقاتها؟؟..
كل هذه الأمور لم تعد تهمه، على الرغم من أن مسؤوليتهتضاعفت بعد موت والده في حادث سير مما ضاعف مسؤولياتي وهمومي.
لم أتعود على استخدام القوة أو الشدة معه، بل اعتاد هوأن يأسرني بحديث عاطفي لينتزع مني ما يريده
صرت أبدو أمامه طيبة أكثر من اللازم
انفرط عقد النظام والانضباط داخل البيت
صار مجلسه ملتقى لشلة الهوى، حيث أصبح أصدقاؤه يرتادونمنزلنا؛ بحثاً عنه وحرصاً على ملاقاته بشكل يومي، وهذا أتاح الفرصة لأن يرىبعضهم ابنتي التي في بداية سن الشباب، وهو غير مكترث لذلك.. بل جميعنا لميكن يخطر ببالنا ما حدث،
في ظل هذا الوضع ضاعت الدراسة وانحدر مستواه التعليميإلى درجات سحيقة بعد أن كان قبلها من الأوائل، فتحدثت معه كثيراً دون جدوى،ويبدو أنه قد تخطى مرحلة التأثر بالنصح والتوجيه؛ لأنه كان متأخراً جداً
حاولت معه كل الأساليب لإقناعه بالابتعاد عن تلكالمجموعة، وكانت حجته في كل مرة أن هؤلاء من خيرة الأصدقاء وأنهم يحبونهولا يرضون له السوء، ولا يستطيعون البعد عنه، أو يتحملون غيابه
كان بعض من العبارات تحمل سحراً يدغدغ عاطفتي فتنطفئثورتي وأترك النقاش في الموضوع
حتى توسعت دائرة الحريق في المنزل حين استطاع أحدأصدقائه أن يرى ابنتي حينما فتحت له الباب، حيث جاء يسأل عن أخيها،فأعجبته، وتحصل على رقم الهاتف وصار يحادثها هاتفياً، محاولاً إقناعها بأنهيحبها ويسعى للزواج منها.
لم يكن تصديق ابنتي وانسياقها وراء وعوده البراقة بأضعفمن محاولة مراقبتي لها، ولم يكن أخوها أكثر حرصاً عليها من حرصه علىمجموعته ومزاجه وهواه
ورغم خوفي الشديد عليهما، وحذري من ذلك الشاب وتلكالمجموعة، فقد تسلل حديث الشاب المعسول إلى قلبها، وصارت تعيش تحت تأثيرأوهامه، وتخديره، ولم أستطع إقناعها بخطورة الطريق الذي تسير فيه، لاحظتهاأكثر من مرة تحادث ذلك الشاب عبر الهاتف، وعندما أسألها تنكر، وتدعي أنهاتكلم إحدى صديقاتها، فأصبحت أمام مصيبتين، كلاهما أشر من الأخرى، الكذب وهومفتاح كل شر، والأخرى إقامة علاقة عاطفية مع شاب سيىء وفاشل
أما أخوها فقد انجرف في هذا الطريق بعد أن أكملالثانوية دون الحصول على معدل يدخله أي كلية أو معهد، ولا حتى وظيفة، فظليلازم شلة السوء، حتى وضعته الجهات الأمنية تحت المراقبة المستمرة
وكان في كل ليلة يعود إلى المنزل قبيل الفجر يتثاءب.. ثم يواصل النوم حتى الظهر
وفي إحدى الليالي لم يأت في موعده المحدد، بل لم نسمعوقع خطواته كالمعتاد حتى الفجر، فأصابني القلق ولم أذق طعم النوم تلكالليلة
ولكن في الساعات الأولى من الصباح رن جرس الهاتف وكانفي الطرف الآخر أحد رفقاء ابني الذي علم أن مكافحة المخدرات ألقت القبض علىمجموعة من المدمنين والمروجين ومن بينهم ابني
لم تكن ابنتي تعلم أن أخاها مدمن ولا حتى أصدقاؤه،فأصيبت بصدمة عند سماعها نبأ القبض على صديق أخيها الذي أوهمها بالحبوالزواج
أما أبنائي الصغار فكانت أسئلتهم عن أخيهم أكبر من أنأجيب عليها إجابة مقنعة
وهكذا تهاوت الأسرة
أب غيَّبه الموت
وأم عجزت..
بل تهاونت في تحمل المسؤولية
وتساهلت للحد الذي جعل الأبناء ينحرفون
وابن في السجن بسبب المخدرات
وبنت تجاوزت كل الأعراف والقيم والدين والأخلاق وأتاحتالفرصة لأحد الشباب أن يغازلها ويلعب بعقلها
وصغار مندهشون مما يجري ولا يجدون له تفسيراً، ولا يعرفأحد كيف يكون مستقبلهم ومصيرهم؟!!
البداية كانت خاطئة، لذلك أنتجت هذه النهاية المأساويةالمحزنة
وكل ذلك بسبب التساهل والتهاون في أمور هي منصميم الدين
فأنا الآن نادمة كل الندم.. ولكن بعد ماذا؟!!
بعد أن حدث الذي كنا نخشاه، حيث لا ينفع الندم.
وأنا التي تسببت في كل ذلك، وأرجو الله أن يسامحني.
**
المرجع: مجلة بنات اليوم العدد (9)
--------------------------------------------------------------------------------
(3)
اغتيالالأمل..
عن طريقالهاتف الجوال – الذي تسبب في كثير من اللعنات- تعرفت علىالشاب (تركي)، كان لطيفاً معي لأبعد الحدود، حديثه ساحر، صوتهمدهش، يتقن أساليب ما يسمى بالحي، صرنا نتحادث هاتفياً بشكليومي، كان يبدو صادقاً في حبه، بينما كنت أتلاعب بعواطفهومشاعره، توطدت العلاقة بيننا، ولا يستطيع أحدنا أن يقضي يومه،أو جزءاً من يومه دون أن يحدث بيننا اتصال.
وذات ليلةاتصل بي (تركي) وبعد أن تجاذبنا أطراف الحديث في شتى المواضيع،مثل كل مرة، قال لي: أود أن أراك الليلة، فقلت له: إن الأمرليس سهلاً، فترجاني أن أعمل ما في وسعي لكي يراني في نفسالليلة، وحاولت أن أعقّد الأمور حتى تستصعب عليه، فطلبت منهطلباً غريباً، أن يأتيني بشيء من المخدرات، أخبرني أنه لا يعرفشيئاً عنها، ولم يرها في حياته، فقلت له أن الأمر بسيط، سأعطيكتليفون أحد الأصدقاء فيدلك على من يدلك عليها، فتحضرها وتأتيلتراني على الطبيعة كما ترغب، وافق وأخذ رقم هاتف الشخصالوسيط، واتصل بالشخص الذي لديه (الممنوعات)، وطلب منه الحضورفوراً لأخذ ما يريد، وكان الموقع بعيداً على أطراف المدينةالتي نسكنها، في إحدى المزارع النائية، غامر (تركي) وذهب إلىهناك، وأنا في انتظاره على أحر من الجمر، تأخر كثيراً عنموعده، وقلت: ربما هناك ازدحام في الطرق، أو أنه تأخر لدى صاحب (المعلوم)، وصرت أبحث له عن شتى الأعذار: ولكن حدثت الكارثة،فيبدو أنه كان يضع المخدر في جيبه، وعندما عبر إحدى نقاطالتفتيش، ارتبك لدى طلب رجل الأمن الأوراق الثبوتية، فشك رجلالأمن في تصرفاته، وبدأ يفتش السيارة بعد أن أوقفها على جانبالطريق، وعند تفتيش جيبه عثر على كمية قليلة من المخدر، تمضبطه واقتيد إلى السجن؛ توطئة لتقديمه للقضاء.
رغم ارتباكهوسهولة وقوعه في يد قوات الأمن، استطاع (تركي) أن يتصرف، حيثلم يشأ ذكر اسمي، وفضَّل عدم إقحامي في الأمر برمته، وقرر أنيواجه القضية بمفرده، فقال لهم: أحضرت هذا المخدر رغبة فيتجريبه ومعرفة مفعوله؛ لأني أسمع من الناس كثيراً عن المفعولالسحري لهذه النبتة، وقررت أن أجربها بنفسي، وذهبت إلى أحدالبائعين، قابلني في البر وأعطاني هذه الكمية، وبذلك سجلتالقضية تحت اتهام تعاطي المخدر، رغم أنه لم يتعاط شيئاً حتىتلك اللحظة.
أُدخلبموجبها السجن، فانهار والده عندما سمع النبأ الصاعقة، خصوصاًأنه كان يعاني من مرض السكري، فأصيب بجلطة، ولكن هوَّن اللهعليه ذلك فتماثل للشفاء بعد المكوث بالمستشفى لعدة أيام، أماوالدته فقد أغمي عليها وسقطت على الأرض، وتعبت نفسياً وجسدياً،وكذلك إخوته وأخواته، وأصيب هو الآخر بصدمة نفسية لما أصابوالديه بسبب تصرفه، ومكث بالسجن المدة المحددة، وتعب أهلهنفسياً، وكانت معاناته هي الأكبر، وبرغم ذلك اتصل بي ليخبرنيما حدث.
أما أنا فقدذهلت حين سماعي النبأ؛ لأن أخباره كانت منقطعة عني تماماً،وكان هاتفه النقال مقفلاً طيلة تلك الفترة، ولم أكن أعرف لهرقماً غيره، وبعد سماعي الرواية تألمت كثيراً لما لاقاه بسببي،واعتذرت له، والآن ضميري يحاسبني على ذلك الفعل، ويؤنبني بشدة؛فأنا تسببت في انحراف شاب في مقتبل العمر، ومرض والديه، وصدمةإخوانه، وضرر سمعته وضياع مستقبله، فهذه مأساة إنسانية تسببتفيها لعدم حسابي للأمور بطريقة صحيحة؛ لأني اتبعت الهوىوالشيطان، ولم أستخدم الجوال بطريقة حضارية، ولا بمسؤوليةفتركت لنفسي العنان حتى أوقعتني في شر الأمور ودمار شاب، ربماكان يبحث عن شريكة العمر فأغويته إلى طريق الضلال، والآن لميقتصر الضرر عليه.. بل على أسرته كاملة، وعلى سمعته التي تلوثتفي نظر الناس، رغم أنه لم يرد الانتقام مني، بل أخفى علاقته بي،ولم يشر إلي عند التحقيق معه، فأنا الآن معذبة لعدة أسباب،أولها الندم على التصرف من حيث المبدأ، وثانيها ما لحق بالشاب (تركي) وأسرته من ضرر معنوي، وكذلك ضميري الذي يمزقني منالداخل ويحاسبني على ما فعلت، مقابل أنه كان شهماً وتحملمسؤوليته تجاه القضية، ولم يقل: إنني كنت السبب..!!
**
المصدر: مجلة بنات اليوم العدد (13)
--------------------------------------------------------------------------------
(4)
كبريائي.. دمرحياتي
لم يكن في حسباني أن أرى بأم عيني، ما شاهدتهوأنا في كامل وعيي ويقظتي
وقواي العقلية، ولكن أحياناً يحدث أن يرى المرءما لا يسره، ولا يستطيع أن يفعل
شيئاً خصوصاً إذا كان هو المتسبب في ذلك.
ذات مرة وبينما كنا عائدين من جولة ترفيهية،زوجي وأنا، وابنتنا الصغيرة (رشا) والخادمة الآسيوية (الهادئة) وكانت السيارة تتهادى عبر الطريق الخالي من الحركة إلا في فتراتمتقطعة.. حدث خلاف في الرأي حول أحد الموضوعات التي تهمنا، واحتدالكلام بيننا وتعصب كلانا لرأيه، رفض التنازل فهو رجل له شخصيتهوليس من السهل أن ينثني، وأنا اعتبرت المسألة تتعلق بالكرامة وعزةالنفس، وقلت طالما أنا على حق.. فلن أرجع عن رأيي.
نصف مسافة الطريق تقريباً، أمضيناها في صمترهيب، كأننا ركاب في أحد القطارات الأوروبية، حيث لا يعرف أحدالراكب الذي بجواره، ولا حديث ولا مؤانسة، ومرت تلك الدقائق ثقيلةومملة وقاتلة، حتى وصلنا إلى منزلنا، وبعد أن أدخلنا ما معنا منأمتعة دخل كل منا غرفة، ولم نجلس سوياً.. كان يتوقع أن أعتذر له،وأتودد إليه، وأذهب إليه في الغرفة التي بقي فيها كنوع من الترضيةوتطييب الخاطر. لكنني لم أفعل شيئاً من ذلك.. صار لا يكلمني ولايقترب من غرفتنا التي نقيم فيها سوياً، ولا يطلب أكلاً ولا شرباًولا سلام بيننا، تأزمت الأمور ووصلت حد القطيعة، صار يذهب إلىالمطاعم ليتناول الوجبات، ويعود إلى المنزل ليقضي تلك السويعات فيغرفة خاصة به، حتى إذا طل الصباح نهض وأعد نفسه للعمل.. وإذا جاءومعه بعض الأغراض أو المواد التموينية، ناولها للخادمة لتضعها فيأماكنها المحددة.
كان يتحرق من الداخل ويتألم ولكنه لا يبوحبذلك.. حيث كان يأمل أن آتيه سعياً أو (حبواً) لكنني (للأسف) لمأفعل ذلك.. كنت مثله أيضاً.. أحترق داخلياً وأتألم.. وربما أكثرمنه، لكن لم تبدر مني كلمة تعبر عن فقدي له بجواري واحتياجي له فيكل الأوقات، وعذابي النفسي لابتعاده عنا.. وكنت أكتم ذلك أشد مايكون الكتمان.. لكن الكبرياء والغرور.. جعلني أتجاهل كل معاناتيوأصر على ألا أنكسر له، وأقول في نفسي: طالما أراد ذلك فليكن له ماأراد، ولا شك أنه كان يكظم غيظه، ويعتصر ألمه، ويداري معاناته،ولكن ماذا كان يجري في الخفاء؟ الله وحده أعلم بذلك..
لم يتراجع أحدنا ويتنازل للآخر، مرت الأيام،والقطيعة قائمة، ومتفاقمة، والأثر النفسي يفيض، ويبدو أن حالتهكانت أسوأ مما أتصور، خصوصاً أنه كان يتوقع ألا تطول مدة القطيعة،وألا أعامله بتلك القسوة.
خلال هذه الفترة، كانت علاقته بالخادمة أكثرمما سبق حيث كانت هي التي تعد له مستلزماته، وتجهز ملابسه وتستلممنه الأغراض المحضرة من السوق، وتبلغه بالطلبات الناقصة في البيت. فكان التواصل معها تمليه ظروف عدم التواصل بيننا.. لكن هذه العلاقة – فيما يبدو – لم تقف عند حدود الضروريات وقضاء الحاجات.. بل تعدتذلك ووصلت إلى مستوى الزيارات والمحادثات، وقد أحسست بذلك قبل أنأراه بأم عيني.
ذات ليلة استيقظت في ساعة متأخرة، وسمعت صوتحركة مشي داخل البيت، وخرجت أتتبعه، وقبل أن أعرف عنه شيئاً سمعتباب غرفة الخادمة يغلق بعنف.. اتجهت نحوه وقلبي يخفق، فوصلت عندهوطرقت الباب فإذا هي مستيقظة، مرتبكة.. قدمت من الغرفة التي ينامفيها زوجي.. وبتوجيه الاتهام لها والضغط عليها انهارت وأقرت بأنهاكانت معه على اختلاء.
وفيما بعد عرفت أنها كانت تزوده بالخمر عبر طرفثالث بواسطة أحد السائقين من بني جلدتها.. فاكتشفت أن الضغط النفسيالذي تعرض له، وأن وجود فرصة لتواصله مع الخادمة كانا سبباً في أنيضعف أمامها وينحرف في الهلاك.. لا أخفيكم انهارت الثقة بيننا بعدأن انكشف المستور، وتم القبض على الخادمة والشبكة التي تتعامل معهامن أبناء جلدتها.
المجرم الخائن.. الذي يمكن أن يطلق عليه (الضحية) أصبح هائماً.. تعيساً، يعيش بمفرده في شقته، ومبلغ علميأن ظروفه العملية ساءت، وكذلك حالته النفسية، صار كثير الغياب عنالعمل وكثير السفر، والانزواء بعيداً عن الأهل والأصدقاء.
أما أنا فقد عدت إلى بيت أهلي، أحمل (رشا) الصغيرة وأحمل هماً في رأسي، وهماً في أحشائي، وفقدت زوجي ولم أرضنفسي، وكان بالإمكان معالجة الأمر في مراحله الأولى.. ولكن ذلك لميحدث.. وبسبب عنجهتي وكبريائي.. أضعت زوجي ومستقبل ابنتي وكذلكالمجهول الذي حملته في بطني.. والذي صار اليوم (الشاب ف). أما الحدالفاصل في العلاقة مع أبيهما.. فكانت علاقته بالخادمة فأصبحت بعدذلك كل علاقاته الاجتماعية سيئة، وتجاربه فاشلة، فلم ينجح فيالزوجة الثانية، ولا الثالثة ولا في حياته العملية..
إنها مأساة إنسانية لا أبرئ نفسي من المشاركةفي صنعها، وإزكاء النار التي احترق فيها زوجي السابق كإنسان!!.
**
المصدر من مجلة بنات اليوم العدد (15)
--------------------------------------------------------------------------------
(5)
إفراطوتفريط
وتستُّر..!!
عشنا منذ صغرنا في كنف أسرة تتكون من أب وأم وأربعأخوات وشقيقين، عودنا والدي – بحكم دراسته في أمريكا والعمل بها بعضالوقت- على نوع من الحرية والثقة المتبادلة.. وكنا نعي هذا الأمر جيداًونتعامل على أساس هذه الثقة وهذا الوعي الذي تحظى به أسرتنا..
لدينا خط إنترنت في المنزل، لزوم الاطلاع والبحوثوالتواصل مع عالم التقنية والمعرفة، ورغم وجود خط هاتف منزلي، فلكلواحد من البنات والأولاد هاتفه النقال الخاص به.. وهذا أضاف عليناعبئاً ثقيلاً.. وزاد عظم الثقة والأمانة على نفوسنا، لكنه من الجانبالآخر أتاح مجالاً آخر للانفلات والتسلية والترفيه، وفتح باباً واسعاًللشرور والانصراف عن الأساسيات.
إلى حد كبير كنت أنا ومنار باعتبارنا الأكبر سناًعلى قدر من المسؤولية ومكاناً للثقة.. أما ريم فهي أصغر العنقود.. فلميكن على عاتقها شيء من المسؤولية، بل لم تكن تدري شيئاً عما يدور حولناوحولها، وسعد وتركي كانا مشغولين دائماً بأمورهما الخاصة، وأصدقائهماوهوايتهما المتمثلة في عالم السيارات، وجنون الهواتف النقالة، فضلاً عنالدراسة..
لكن نهى كانت خارج هذه المنظومة، كانت تطلق لخيالهاالعنان، ولنفسها الحبل على الغارب، وبدون كوابح أو إلجام.. كونت منخلال النت والجوال صداقات فاقت التصور، استغلت مساحة الحرية والثقةالممنوحة من الوالد استغلالاً غير مرشَّد.
ولا أخفيكم كنت أحبها (بجنون) فهي رغم انشغالهابأمورها تمثل الشخصية المحبوبة من الجميع، بحيث لا يملها أحد أو يتضايقمنها شخص، بل هي ملح المكان الذي توجد فيه.. ذات روح خفيفة ومرحةوذكية.. طيبة النفس، بريئة لا تخفي في نفسها شيئاً، لكنها كانت تسبح فيأمواج من الغراميات والعاطفة بلا أطواق نجاة، ودون النظر إلى أي ساحلأو مرفأ ترسو عليه قواربها التي أصابتها الأمواج بالبلل والشروخ..
تعرَّف عليها شاب أوهمها بجنة الحب وسعادة الغرام،واستطاع أن ينتزع قلبها من قفصها الصدري.. وصار اسمه أغلى ما في هذاالكون (في نظرها) ذابت حباً في (خالد) الذي وعدها بالزواج والعيش فيسعادة، وصوَّر لها حياتهما المستقبلية بأوصاف لا توجد إلا في عالمالأحلام، فتخدرت لحديثه ووثقت في مشاعره، وأسلمت نفسها وعواطفها له،حتى صار مجاب الطلبات، ومسيطراً على القلب والفؤاد.
لم تكتف (نهى) بالاتصال عليه عبر الهاتف والنت، بلتحول الأمر إلى مقابلات، وبدأت بالمراكز التجارية، ثم الأسواقالمفتوحة، حتى وصل الأمر بينهما ليلتقيا في المطاعم العائلية.. مستغلةالثقة والحرية المتوفرة لدينا.. دون أن يعلم أبي بأي خطوة من ذلك، بلكنت وحدي التي تعلم بذلك، ولكن من كثرة حبي لها لم أود أن أعكر عليهاصفوها على أمل أن يظهر الشاب (خالد) ويخطبها، وتنتهي فترة الكتمانويصبح كل شيء في ضوء النهار.
لكن (خالد) فارس أحلام الفتاة الضائعة لم يكن أكثرمن ذئب بشري شرس لم يكتف بالمهاتفات والمقابلات.. بل كان يكشر عنأنيابه لينهش من الشرف والفضيلة، وينتقص من قدر وشرف الفتاة التيأودعته قلبها وأملها وأحلامها..
ذات مرة بعد لقاء سريع وخاطف في أحد المراكزالتجارية التي اعتادا اللقاء فيها، أخذها بسيارته (الفارهة) وتناولاعصيراً طازجاً.. لم تع نهى بعده من أمرها شيئاً، بل لم تستيقظ إلا بعدأن لاح ضوء الصباح.. لتجد نفسها في مكان غريب وبعيد.. ولتجد نفسها غيرنهى التي خرجت من المنزل بكامل عذريتها وطهرها.. وعقلها السليم.. صدمتنفسياً، وانكسرت وصارت شبحاً مخيفاً.. تحادث الجدران والهواء والجماد،وتبكي كثيراً حينما ترى الناس، وخاصة حينما ترى أبويها أو أحداً منأفراد أسرتها.. لقد أسدلنا الستار على شباب الفتاة البريئة المرحة نهى،وانضمت إلى أسرتنا شابة منهارة الأعصاب، مكسورة القلب فاقدة الوعي،منقسمة الشخصية، ترقد في أحد المستشفيات النفسية، أما المجرم المدعو (خالد) فهو في قبضة الأمن.. حيث تم القبض عليه؛ بعد هروب خارج المنطقةاستمر عدة أشهر، وما زال رهن المحاكمة.
تعذبت كثيراً بسبب ما جرى لشقيقتي؛ لأني كنت أعلمبذلك المنكر، ولم أنه عنه، بل كنت أتستر عليه بوهم محبتي وخوفي عليها،لكنني في الواقع كنت سبب المأساة الإنسانية التي تعيشها أسرتنا.. وتتجرع مراراتها نهى، أو شبح نهى.. ندمت وبكيت وتألمت.. ولكن متى؟ بعدأن وقع الفأس على الرأس..!!