باسم الله والصلاة والسلام على خير خلق الله عليه افضل الصلاة وازكى التسليم
اخوااااني أخواااتي
ثلاثون درسا للصائمين
رمضان مدرسة للجود والعطاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين وبعد .
قال سبحانه وتعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)(البقرة: من الآية110)قال سبحانه (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:261)
في الصحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة (1).
إن الصيام يدعو إلى إطعام الجائع واعطاء المسكين وإتحاف الفقير وشهر رمضان موسم للمتصدقين وفرصة سانحة للباذلين والمعطين :
الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عارية والعمر رحال
المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجر منه يعذب منه سلسال
ما أجمل البذل وما أحسن الصدقة وما أجمل العطاء صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " إن لله ملكين يناديان في كل صباح أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا"(2) كلما أنفق العبد أخلف الله عليه ببسطة في الجسم وراحة في البال وسعة في الرزق .
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار "(1) والخطايا لها حرارة في القلوب واشتعال في النفوس ، ونار موقدة في الحياة ، ولا يطفئ هذه الحرارة والاشتعال الا الصدقة الصدقة باردة على القلب طيبة على الروح ، تحت الخطايا حتا.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة ، حتى يقضى بين الناس (2)" عجيب جد عجيب للصدقة ، ظل وارف ولها أوفياء يتظلل في ظلها العباد يوم القيامة ، وكل بحسب ظله الذي أنتجته صدقته في الدنيا كان عثمان بن عفان رضي الله عنه صاحب مال وعنده ثراء في مرضاة ربه تبارك وتعالى ، جهز جيش تبوك وشرى بئر رومة للمسلمين ، وتصدق وأعطى ولسوف يرضى وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه غنيا موسرا ، فتصدق مرة واحدة بحمل سبعمائة جمل على فقراء المدينة ليكافئه الله على ما فعل .
في الناس صائم لا يجد كسرة خبز ولا مذقة لبن ولا حفنة تمر في الناس صائم لا يجد بيتا يؤويه ، ولا مركبا يحمله ولا لا صاحبا يواسيه في الناس صائم لا يجد ما يفطر به أو يتسحر عليه .
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " من فطر صائما كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجر الصائم شيئا "(3) الصالحون يزيد كرمهم في رمضان ، فيبذلون ويعطون وينفقون كان كثير من الأخيار يتكفل بإفطار جماعات من الفقراء والمساكين طلبا للأجر العظيم والثواب الجزيل من الله تعالى كانت مساجد السلف تمتلئ بالطعام المقدم للفقراء فلا تجد جائعا ولا محتاجا.، والعجيب أ، كل ما ينفقه العبد في أكله وشربه ولباسه، فان زائل لا محالة إلا ما ينفقه في مرضات الله عز وجل
يقول عز من قائل :" )إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) (التغابن:17) أيها الصائم إنك ببذلك وعطائك تقرض ربك ليوم فقرك وحاجتك وضرورتك يوم الفقر والمسكنة ، يوم التغابن أيها الصائم شربة ماء ومذقة لبن وحفنة تمر وقليل من الطعام والمال واللباس والفاكهة تسديها إلى محتاج هي طريقك إلى الجنة أيها الصائم تالله لا يحفظ المال مثل الصدقة ، ولا يزكي المال مثل الزكاة .
مات كثير من الأثرياء من الأموال والكنوز والدور والقصور ما الله به عليم ، فأصبح كل ذلك حسرة عليهم ، وندامة وأسفا ، لأنهم ما جعلوه في مصارفه وغدا يظهر لك الربح من الخسران والله المستعان.
رمضان شهر القيام
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (المزمل:1) )قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (المزمل:2) )نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) (المزمل:3) )أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمل:4) هكذا قال سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ولقد امتثل الحبيب عليه الصلاة والسلام أمر ربه وأطال في القيام ، وبكى وأطال في البكاء ، وخشع وأطال في الخشوع ، ويقول عز وجل لرسوله ومصطفاه (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الاسراء:79)
مثل قيامك في ليالي الدنيا يكون قيامك المحمود يوم القيامة . رمضان شهر الصيام والقيام ، وأحلى الليالي وأغلى الساعات يوم يقوم الصوام في جنح الظلام.
قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار
قال لم الق في حياتي حديثا كحديث الأحباب في الأسحار
ليل الصائمين قصير لأنه لذيذ وليل العابثين طويل لأنه سقيم.
فقصارهن من الهموم طويلة وطوالهن مع السرور قصار
وصف الله الصالحين من عباده فقال (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) (الذريات:17)
فليلهم من أحسن الليل ، ووصفهم في السحر فقال : (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذريات:18)
(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)(آل عمران: من الآية17)فأسحارهم من أجمل الأسحار :
يا ليلة الجزع هلا عدت ثانية سقى زمانك هطال من الديم
أمسيت في نشوة التوفيق يقلقني طلوع فجر بدا من عالي العلم
كان المهاجرون والأنصار إذا أظلم عليهم الليل سمع لهم نشيج بالبكاء ، وإذا أسفر الصباح فإذا هم الأسود إقداما وشجاعة :
في الليل رهبان وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الشجعان
كانت بيوت المهاجرين والأنصار في ظلام الليل مدارس تلاوة وجامعات تربية ، ومعاهد إيمان ، فما لبيوت كثير من الناس اليوم أصبحت ثكنات للغناء والمجون وملاجئ للسفه واللهو ، اللهم عفوك يا كريم فلما فقدنا قيام الليل قست قلوبنا ، وجفت دموعنا وضعف إيماننا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "(1). مما يعين على قيام الليل تذكر ذاك القيام المهول : يوم يقوم الناس لرب العالمين ، يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور ومما يعين على قيام الليل تذكر ظلمة القبر ووحشة القبر وهم القبر ، فقيام الليل نور الظلمة القبور ، ومما يعين على قيام الليل تذكر الأجر والمثوبة والعفو عن الخطيئة والذنب .
تفنن السلف في قيام الليل ، فمنهم من أمضى الليل راكعا ، ومنهم من قطعه ساجدا ، ومنهم من أذهبه قائما ، منهم التالي الباكي ، ومنهم الذاكر المتأمل ، ومنهم الشاكر المعتبر . لماذا أقفرت بيوتنا من قيام الليل ، لماذا خوت من التلاوة. لماذا شكت منازلنا من قلة المتهجدين:
أيا دار سلمى كنت أول منزل نزلنا به والركب ضبحت بلابله
نزلنا فلم نشهد به رفقة مضت فسال من الدمع المكتم عاجله
إذا أظلم الليل نامت قلوب الغافلين ، وماتت أرواح اللاعبين ، حينها تحي القلوب المؤمنة ، وتسهر العين الخائفة.
نامت الأعين إلا مقلة وتذرف الدمع وترعى مضجعك
كيف ينام من يتذكر رقدة القبور ، والحشر يوم النشور ، وقاصمة الظهور، ما كنا نظن أن جيلا من المسلمين يسهر على البلوات والشطرنج والغناء، وقلة الحياة ، فرحماك يا رب:
كن كالصحابة في زهد وفي ورع القوم هم ما لهم في الناس أشباه
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لابن عمر :" يا عبد الله لا تكن كفلان كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل"
البيت الإسلامي في رمضان
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد.
يقول المولى جلت قدرته : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (التوبة:109)
البيت الإسلامي بيت اسس على التقوى ، عماده تقوى الله ، وأطنابه الأعمال الصالحة ، وحديقته امتثال أمر الله تعالى .
يقول عز من قائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ )(التحريم: من الآية6)
البيت أمانة ومسئولية ورعية ، فهل من راع واع ومن مسئول أمين .
صح عن عليه الصلاة والسلام أنه قال :"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "(1) ورعاية البيت في رمضان وغيره ، تقوم بأمرهم بالصلاة ، قال تبارك وتعالى (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) (مريم:55)
إن أحوج ما يحتاجه البيت المسلم إلى أب رشيد وأم مؤمنة يقومان على تربية البيت يقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )(النساء: من الآية58) وإن من أعظم الأمانات أمانة البيت وإصلاح البيت البيت الإسلامي يعيش رمضان ذكرا وتلاوة وخشوعا وتقوى.
البيت الإسلامي عامر بسنة محمد عليه الصلاة والسلام في الطعام الشراب والمدخل والمخرج واليقظة والمنام البيت الإسلامي يحترم الحجاب ويدين لله به ويعتبره شرفا وعزا للمرأة ، وأجرا ومثوبة عند الله عز وجل ابتليت بيوت كثيرة بالغناء ، فأفسد قلوب أهلها وضيع مستقبلها وفتت قوتها دخل الغناء واللهو بعض البيوت ، فخرج الذكر والسكينة والحشمة والوقار . قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)(لقمان: من الآية6) ولهو الحديث عند أهل العلم هو الغناء ، فكم عبث الغناء بالقيم وسفه المبادئ وأرهق العقول .
البيت الإسلامي يصحو على ذكر الله وينام على ذكره بعيدا عن اللغو والهراء . قال تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:3) البيت الاسلامي يستحي من الله تعالى ، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " يا أيها الناس استحيوا من الحق حق الحياء، والاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلا ومن أراد الآخرة وترك زينة الدنيا"(1)
بيوت الصالحين لها دوي بذكر الله رب العالمينا
لها نور من التوفيق عال كأن شعاعه من طور سينا
ليت البيوت الإسلامية تدخل العلم الشرعي جنباتها لتكون رياضا للمغفرة وبساتين للعرفان .
إن البيت يحتاج إلى مسائل مهمة من أعظمها المحافظة على الصلوات الخمس بخضوعها وركوعها وسجودها وروحانيتها . وعلى تلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار ، وعلى ذكر الله عز وجل بالغدو والآصال ، وعلى إحياء السنن في كل دقيقة وجليلة ، ويحتاج إلى إخراج كل لهو وعبث واجتناب كل لغو وزور .
قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30) وقال تعالى (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (ابراهيم:27)
إن شهر رمضان يضفي على البيت المسلم روحانية واطمئنانا ، فيوقظ أهل البيت لقيام الليل ، ويدعوهم إلى صيام النهار ، ويحثهم على ذكر الله عز وجل .
قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) (فاطر:29) (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر:30)
نسألك يا أرحم الراحمين أن تملأ بيوتنا بالإيمان والحكمة والسكين